يوافق يوم 21 من آب/ أغسطس، الذكرى الــ53 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، في وقت يتعرض فيه المسجد لمخاطر جمة وانتهاكات إسرائيلية لا تتوقف، بل ازدادت وتيرتها، خصوصًا مع تصاعد مستوى التطبيع العربي، الذي يعطي الاحتلال موافقةً لهذه الانتهاكات.
53 عامًا مرت على الجريمة، وما تزال جرائم ومخططات الاحتلال بحقه تتصاعد وتشتد وتيرتها بشتى الوسائل، تمهيدًا لهدمه وبناء “الهيكل” المزعوم فوق أنقاضه، وذلك بدعم رسمي من الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
يوم الجريمة
في صبيحة يوم الخميس الموافق 21 أغسطس /آب 1969، اقتحم يهودي متطرف أسترالي الجنسية يدعى مايكل دينيس المسجد الأقصى، وأشعل النيران عمدًا في الجناح الشرقي للمسجد، وإذ بألسنة اللهب المتصاعدة تلتهم المصلى القبلي، وقد أتت على أثاث المسجد وجدرانه، وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب سنوات لإعادة ترميمها وزخرفتها كما كانت.
وأهم الأجزاء التي طالها الحريق داخل المصلى القبْلي، كانت منبر “صلاح الدين الأيوبي” الذي يعتبر قطعةً نادرةً مصنوعةً من قطع خشبية، معشَّق بعضها مع بعض دون استعمال مسامير أو براغي أو أية مادة لاصقة.
وطال الحريق أيضًا أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب الرخامي الملون والجدران الجنوبية، وأدت إلى تحطم 48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد أكثر من ثلث مساحته الإجمالية (ما يزيد عن 1500 متر مربع من أصل 4400 متر مربع)، وأحدثت النيران ضررًا كبيرًا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، ما أدى إلى سقوط سقفه وعمودين رئيسين مع القوس الحجري الكبير الحامل للقبة.
عندما اندلعت النيران في المصلى القبلي، قطع الاحتلال المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد، وتعمَّد تأخير سيارات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق.
ردود فعلٍ غاضبة
وأثار الحريق المدبر حينه ردود أفعال كبيرة وحالة غضب عارمة في العالم الإسلامي، وخرجت المظاهرات في كل مكان، وفي اليوم التالي للحريق أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى وعمت المظاهرات مدينة القدس بعد ذلك احتجاجًا على الحريق.
النيران مشتعلة.. والصمت العربي مستمر
ورغم مرور 53 عامًا على الجريمة، إلا أن النيران ما تزال مشتعلة داخل المسجد الأقصى، مع تصاعد اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته الممنهجة، بشكل خطير، وسط صمت عربي وإسلامي رهيب.
ويتعرض المسجد الأقصى لسلسلة من الجرائم الممنهجة، مثل مخطط التقسيم الزماني والمكاني الذي تمهد له اقتحامات المستوطنين المتواصلة وصلاتهم في ساحات المسجد، فضلًا عن تزايد حالات إبعاد المرابطين والمرابطات عن المسجد لفترات طويلة، في محاولة لكسر إرادتهم وشوكتهم.
وتواصل سلطات الاحتلال تكثيف أعمال الحفريات والأنفاق أسفل الأقصى وفي محيطه، وعرقلة عمل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة لترميم أسوار ومباني المسجد وصيانتها، لجعلها آيلة للسقوط أو غير قابلة للاستخدام.
ويسعى الاحتلال إلى فرض سيطرته الكاملة على المسجد، وأن يُثبت وجوده فيه بشكل متسارع، عبر تفريغه من المصلين، وطمس معالمه العربية والإسلامية، وفرض واقع جديد فيه، وتنفيذ مخطط تقسيمه زمانيًا ومكانيًا، وصولًا إلى هدمه لبناء “الهيكل” المزعوم فوق أنقاضه.
كما ولا زال الأقصى يشكل هدفًا استراتيجيًا لـ”جماعات الهيكل” المزعوم التي بدأت تتسع دائرتها من حيث العدد والنفوذ، وباتت تتغلغل في حكومة الاحتلال، وتخطط بشكل غير مسبوق لتوسيع باب المغاربة، وزيادة ساعات الاقتحامات وعدد المقتحمين للمسجد، ومحاولاتها المستمرة لتغيير الوضع الراهن في المسجد.